بعد الاحتجاجات الأخیرة التي شهدتها البلاد یبدو أن مجلس البلدیة لطهران العاصمة یعزم علی وضع خطة إذا تمت الموافقة عليها یتم تحدید أماکن للتجمعات العامة؛ أنا شخصیا أحسبها خطة شجاعة في حد ذاتها ویمکن القول إن هناک قرار تنفيذي لدعم الحرکات الاحتجاجیة السلیمة بعد أن اعتبرها الدستور الإیراني قانونیة وجعلها جزءا من حقوق المجتمع السیاسیة. وفي هذا الصدد أود الإشارة إلی بعض النقاط: 1- یجب أن نفهم ما المقصود من تحدید المکان للاحتجاجات السلمية وما الغایة من منه؟ في التجربة التأریخیة القديمة للغرب نجد أماکن عامة للتجمعات والقرارات السياسية في مراکز المدینة بعنوان "أغورا" وکان یجتمع فیها کافة المواطنین والمسؤولون للحوار والنقد وصنع القرار وکلما یتعلق بالشؤون السیاسیة والحکومیة وکان مکانا لطرح الأفكار وإجراء المحادثات المتعددة الأطراف وکانت الدیمقراطیة هي نتيجة هذه المناقشات مباشرة ویتم في الغرب منذ ذلک الحین حتی الیوم في إطار التمثيل الديمقراطي الحديث.

ورغم أنه لم یبق شیئ من تکوینه القدیم أعني وجود أغورا والساحة العامة ولکن تحتفظ الحکومة بحق الاحتجاج لجمیع المواطنین والمسؤولین الحکومیین والأحزاب والدوائر التنفیذیة في إطار هذه الديمقراطية الحديثة وبناء علی حقوق الإنسان المبدئیة؛ وهم ملزمون بالاستماع لصوت الشارع والإجابة لمطالب المحتجین وإلا عادة ما یجب علیهم الانتظار للاستقالة أو ترک الأحزاب.

2- هذا لا یعني أنه لا یوجد في الدول الغربية أي احتجاج أو لا یعاني الشعب من المشاکل الاقتصادیة أو الفجوات الطبقیة بل هو تأکید علی تجاوب المسؤولین مع احتجاج الشعب ویعتقدون أن استمرار ولایتهم یخضع للتجاوب ولتفعیل قانون المساءلة ومن الطبیعي أن تکون هناک نسبة من الفساد الإداري والسیاسي والتي قلما یمکن التستر علیها بفضل الصحافة ووسائل الإعلام الحرة والمستقلة.

ولکن في تلک الدول لا یوجد مكان خاص للاحتجاج ولا الحكومة مسؤولة عن تحدید مثل هذه الأماکن ولکن غالبا ما تشهد الشوارع احتجاجات سلمیة وفقا لنوع القضايا المثارة وتعلقها بأي جزء من الحکومة؛ مثلا شارع وول استریت في إمریکا یعرف كمظهر للاحتجاجات العمالية والاقتصادیة ومناهضة للعولمة ویمکن أن یواجه المحتجون بمظاهر من العنف أو القمع في إطار القانون ولکن لدرجة لا یسفر عن وقوع خسارة في الأرواح أو انتهاک للحقوق.

3- فهل من الممکن تنفیذ هذه الخطة في بلادنا؟ یمکن الإجابة بنعم ولا؛ لأن الدستور ینص علی الاحتجاجات السلمیة بدون الترخیص وفقا للقانون؛ بناء علی هذا أن الدستور الإیراني وتجارب البلدان التقدمية تنص علی أن الشعوب والمجموعات السیاسیة والاجتماعیة واللجان النقابیة بإمکانهم الاحتجاج أمام سلوک الحکومة وقراراتها والمطالبة بتعدیلها أو إزالتها.

ومن جانب آخر أن التجربة التأریخیة في بلادنا في العصر الحدیث علی الأقل لم تطرق إلی هذه القضیة حتی یسمتع المسؤولون إلی مطالب الشعب العامة بآذان صاغیة ولهذا حاولوا القضاء علی المشکلة بتوجیه الاتهام للمحتجین وتوصیفهم بالمحرضین أو علماء الأجنبي. بالتالي من الطبیعي أن لا یلتزم المحتجون بالأطر القانونیة ویمکن انجرار فئات من الاجتماع إلی أعمال العنف بفعل شخص واحد – قد لا یکون من المحتجین – ویصبح مبررا مقنعا لقمع المظاهرات السلمیة.

4- أنا شخصیا اعتبر هذه الخطة من "المؤشرات العلاجية" بمعنی من المفترض أن ینجر المظاهرات في الشوارع إلی مناوشة وتشرذم في مستوی المدینة وبالتالي تخرج من نطاق السیطرة ومن أجل التخفیف من مضاعفاتها وإمکانیة التحکم علیها یتم تحدید مکان لها کقاعات مغلقة وأمثالها؛ ما أشبه هذه الحالة بطبیب یحاول تهدئة المریض بدل علاج المرض؛ مثلا قد یصف مخدرا للمریض فور رؤية أعراض الحمى أو یصف له أقراص ومشروب نزلات البرد حین رؤیة أعراضها أو یستعمل الضماد لآلام الظهر بینما أن کل هذه الأعراض قد تنبؤ عن مرض مزمن أو خطیر؛ بهذه الطریقة یمکن القضاء علی أعراض المرض ولکنها لا تجدي نفعا في العلاج. فتحدید المکان للتجمعات لا یکفي وإذا لم یستطع الطرفان الوصول إلی النتائج القابلة للتطبيق فهذا یسهل الطریق للقمع المنهجي ولا غیر.

الشرط الوافي لتنفیذ هذا القرار هو الخضوع أمام سیادة القانون علی الشعب وعلی المسؤولین وقبول المحادثة النقدیة والنتائج المنطقية وفي هذه الحالة لا ضرورة لتحدید مکان للاحتجاج لأن کلا من الشعب والمسؤولین علی درایة بتکالیفهم وحقوقهم ویخضعون للقانون.