الحرب والتنافس السياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق قد ترکت العديد من الآثار المدمرة في الماضي ومن آثار هذا التنافس اللامتناهي کان حدوث الأزمة والحرب في أفغانستان ولا تزال البلاد مشتعلة على الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. أیدیولوجیا لقد شكل انهيار الاتحاد السوفيتي تحدياً ظاهرياً لاستمرار الوجود الأمريكي في أفغانستان. ولكن عودة ظهور روسيا كقوة إقليمية وعالمية ، ولكن بمکانة أقل بكثير من الاتحاد السوفيتي السابق ، من ناحية وتشكيل قوة داخلية مثل حرکة طالبان في أفغانستان جعلت التواجد الإمریکي في هذا البلد حتميًا لكل من الولايات المتحدة وحكومة أفغانستان ؛ لأن طالبان خلال فترة حكمها على أفغانستان لسنوات ۱۹۹۶ حتی ۲۰۰۱ حظرت الأنشطة العامة والترفيهية من السينما والمسلسلات التلفزيونية والبرامج الموسيقية وما إلى ذلك وأعلنتها محرمة وغیر شرعیة وعارضت كل مظاهر الحضارة الحديثة.

وكانت فترة حكم طالبان فترة صعبة للغاية لأهل هذا البلد ، وخاصة بالنسبة للنساء وهذا الشكل من الحكم علی الرغم من المجتمع التقليدي ليس شيئًا ليخضع له الشعب الأفغاني مرة أخرى ؛ المشكلة أنه بعد أن قررت إدارة ترامب مغادرة أفغانستان ونفذتها الإدارة الأمريكية الجديدة کان من المحتمل أن تقوم طالبان بتوسيع أراضيها واستعادة السيطرة على معظم أجزاء البلاد وهذا أدی إلی القلق الشعبي والحکومي معا.

والسؤال المطروح إذن هل الانسحاب الأمریکي وحلفائها من أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى مثل هذا الاستنتاج؟ ليس فقط منذ بدء خطة انسحاب التحالف بقيادة الولايات المتحدة في مايو 2021 ، ولكن قبل ذلك حرکة طالبان حققت مكاسب عسكرية كبيرة في أفغانستان وتمكنت من احتلال مناطق واسعة من البلاد. ويقول زعماء هؤلاء المتمردين إنهم يريدون إعادة أفغانستان إلى الإمارة الإسلامية في ظل الحكم الإسلامي. يقال الآن إن طالبان تسيطر علی حوالي 80 مدينة (حتى إعداد هذا المقال) وفي غياب حكومة كفؤة قادرة ، إنها تسيطر بشكل متزايد على المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

يبدو أن قوة طالبان لا تعتمد فقط علي مقاتلیها أو على دعم قسم من المجتمع الأفغاني ، بل إن الجهات الفاعلة الإقليمية تتدخل فیها أيضًا. مصادر حكومية أفغانية تتحدث عن علاقات طالبان بالحكومة الباكستانية ودعمها العسكري واللوجستي وحتى وقت متأخر ، لم تخضع باکستان لمحادثات السلام مع طالبان. الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفائها من جهة ، وإرادة روسيا من جهة أخرى ، واستقبال الدول العربية قد مهدت الطريق للحكومة لقبول طالبان كقوة تفاوضية من أجل السلام.

حرکة طالبان لديها الآن مكاتب في المنطقة ، حتى في بلادنا ، تحاول بعض التيارات تهيئة الرأي العام لقبول طالبان كقوة بديلة للحكومة الحالية. بینما أن الآلاف من الأفغانیین شردوا من منازلهم بسبب هجمات طالبان الأخيرة وبحسب وسائل الإعلام الأفغانية ، إن عدد النازحين في ولاية قندوز وحدها يقدر بخمسة آلاف. من جهة أخرى قد حذر عبد الله عبد الله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان من تفاقم الوضع في البلاد نتيجة استعادة طالبان للسلطة.

إضافة إلى ذلك ، انخفاض الروح المعنوية للقوات الحكومية وقلة عدد القوات وفي حال الانسحاب الكامل للقوات الدولية ، الأمر الذي لم يعد حتميا ، یساهم في إستعادة طالبان للسلطة وهروب مئات الجنود إلى طاجيكستان خير مثال على هذا الوضع المریع الذي یعاني منه الجیش الأفغاني. أكد عبد الله عبد الله علی أن طالبان لن تكون معنية باتفاق سلام بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان وسوف تستمر في التقدم العسكري على الأراضي الأفغانية.

من جهة أخرى ، الملا بردار جعل السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية مشروطًا بتنفيذ اتفاقیة الدوحة مؤکدا علی أن مشاكل البلاد بما في ذلك توفير حقوق المرأة في أفغانستان لن تحل"ما لم يتم إنشاء النظام الإسلامي " كما أكد النائب السياسي لحركة طالبان أنه بعد تشكيل "حكومة إسلامية حقيقية" ، ستلتزم الحركة التزامًا كاملاً بحقوق المرأة والأقليات وأمن موظفي المؤسسات الدولية والدبلوماسيين الأجانب وهذا البيان متناقض في حد ذاته ويشير إلى المشاريع التي تفکر بها طالبان لمستقبل أفغانستان.

ويبدو أنه بالنظر إلى الأسس الأيديولوجية لطالبان وتجربة حكمهم في أفغانستان وعدم وجود علامة على تغيير في أيديولوجية طالبان في مختلف المجالات لن تؤدي إعادة حكمها في أفغانستان إلى أي شيء سوى الضغط المتزايد على المجتمع ، والاستبداد الديني ، والإطاحة بالمجتمع المدني المتشكل في هذا البلد ، وبالطبع المزيد من الفساد الإداري والاقتصادي. حيثما استولى المتطرفون الإسلاميون على السلطة ، فقد أدى ذلك إلى تآكل المؤسسات المدنية وسيادة القانون ونماذج الحكم الديمقراطي. النماذج العسكرية والاستبدادية لا تستطيع إخراج المجتمع والحكومة الأفغانیة من الأزمة وأن قلق المجتمع الأفغاني من هذه الظاهرة يعكس خوفهم من إعادة تجربة حكومة طالبان. لذلك ، أوافق على فكرة أن انسحاب جميع القوات العسكرية ، بما في ذلك الأمم المتحدة ، يضر بأفغانستان وأعتقد أن من الأفضل أن تساهم الحكومة الإيرانية في إحلال السلام في أفغانستان من خلال دعم الاستقرار السياسي في إطار الحكومة الحالية لأفغانستان وأن أي دعم أو مساعدة لطالبان يسهم في زيادة انعدام الأمن في أفغانستان.

وإذا أرادت طالبان ، كمجموعة سياسية أن تلعب دورًا في مستقبل هذا البلد يبدو أنه يجب عليها أولاً إلقاء سلاحها وتصبح تيارًا سياسيًا فاعلًا حتی تهتم بالسياسة في هذا البلد بما يتناسب مع مصالحها السياسية وهذا يعتمد على قرار الحكومات القوية في المنطقة ، بما في ذلك روسيا. لأننا لا ندري هل تريد روسیا إقامة النظام أو السلام في أفغانستان أو استخدام الأزمات السياسية والعسكرية لتحقيق أهدافها؛ يبدو أن آفاق المستقبل في أفغانستان لیست متفائلة في كل شيء.

--------------------------------------

* عبد العزيز مولودي حامل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية فرع علم الاجتماع السياسي ، المتخرج من جامعة الحرة الإسلامية بطهران وهو عضو في مجموعة الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط التابعة لمعهد أبحاث الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط ومجال دراساته القضايا الإستراتيجية في الشرق الأوسط.