الإشارة: الأستاذ سعد الدین صدیقي نائب الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح المتخرج الحوزوي والجامعي في مجال العلوم والمعارف الإسلامیة ویشغل حالیا منصب رئاسة المعهد العالي بالمدارس الدینیة جنوب إیران. أجرینا حوارا معه وطرحنا بعض الأسئلة حول قضایا إیران والمنطقة وسألناه عن وجهة نظره کعضو المجلس المرکزي لهذه المنظمة المدنیة وإلیکم نص الحوار: - نظرا لعضویتکم في المجلس المرکزي لجماعة الدعوة والإصلاح نرید تفسیرکم حول طبیعة هذه المنظمة المدنیة وأولویاتها.

طبیعة جماعة الدعوة والإصلاح ورسالتها وأهدافها لا تخفی علی الذین نشؤوا ضمن برامجها التربویة وبذلوا جهدهم في سبیل تحقیق أهدافها جنبا إلی جنب إخوانهم وأخواتهم وأذکر بعض النقاط لمجرد التذکیر. هذه المنظمة المدنیة تعمل بهویات متعددة أکثر من أربعة عقود وأبرز هویتها الهویة الدینیة ولم تتغیر منذ یوم أسست وهذا ما یتم الترکیز علیها في الوثائق العلیا للجماعة. وقد جاء تعریف الجماعة في النظام الأساسي للجماعة کأهم وثیقة وافق علیها أعضاء مؤتمر الجماعة في المادة الثانیة:

الجماعة جمعیة مدنیة ذات مرجعیة إسلامیة، تعمل فی المجالات الثقافیة والإجتماعیة والسیاسیة.

الغایة: نیل رضوان الله تعالی والوصول إلی الرفاهیة والسعادة الفردیة والإجتماعیة فی ظل القرآن والسنة.

الإیمان بالعقیدة التوحیدیة علی أساس کلمة "لا إله إلا الله و محمد رسول الله".

الإیمان بأن الإسلام هو الطریق الوحید للحیاة السعیدة، والالتزام بالدعوة و التربیة علی أساسه.

وجاء في المادة الـ 25 حول شروط العضویة:

- الالتزام العملي لدین الإسلام. وجاء في مقدمة المبادي والحلول في کیفیة تأسیس الجماعة: بناءً علی ذلك، وفي نهایات العهد البهلوي قد وصل فئة من العلماء والمفكرين من أهل السنة والجماعة في إيران بعد مشاورات مكثّفة - مستلهمين من تعاليم القرآن والسنة النبوية والتيار العالمي للصحوة الإسلامية - إلی أن النجاح في الحياة وصيانة الشخصية وكمالها وأداء الدور الإيجابي في المجتمع، يحتاج إلی توحيد الأفكار والخطوات حتي يتناجوا بالغدو والآصال مع الكون المسبّح للرب، المقدس له، شعار "اياك نعبد واياك نستعين".وفي النهاية قرّروا أن يدخلوا ساحة العمل، بمرجعية مدرسة الإسلام، مؤكدين علی القيم الأساسية؛ "التوحيد في التصور، والأخلاق في الحياة الفردية، والحرية والعدالة في الحياة الاجتماعية" وكل ذلك في ضوء فقه الأحكام ومقاصد الشريعة وفقه الواقع وفقه الأولويات، متوكلين علی الله الخالق القادر، وأن يحققوا طموحاتهم ويواصلوا خطواتهم بانتهاج تربية الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، في ضوء تعاليم القرآن الكريم. كانت حصيلة تلك المشاورات، أن برزت جمعية مدنية ذات مرجعية إسلامية، والتي تسمّی اليوم "جماعة الدعوة والإصلاح الإيرانیة" والتي لها نشاطات واسعة في كل المناطق التي تقطنها أهل السنة والجماعة في إيران.

مرجعیة الکتاب والسنة والترکیز علی المسؤولیة والالتزام بالنص الشرعي تبرز في وجهة نظر المسؤولین؛ في تخطیط البرنامج التربوي تم التأکید علی الالتزام بالنصوص القطعیة والجهود الجماعية للخبراء من أجل استخراج الحکم الأفضل من النصوص الظنیة؛ وتم تأسیس قسم العلماء والمدارس الدینیة ولجنة الإفتاء کأداة عملیة. تعتقد الجماعة بالحداثة في إطار الکتاب والسنة ومن أهم خصائص هذه المنظمة التأکید علی العمل الجماعي في الدعوة والإصلاح وتبني نهجها الإصلاحي علی تنمیة الشخصیة وتطویر الذات والإصلاح من الأسفل إلی الأعلی. وترغب الجماعة أعضاءها في القیام بالأنشطة الثقافیة وتفادي العنف والتطرف والعمل الجماعي والاهتمام بالثقافة التنظیمیة والترکیز علی التزکیة والتربیة؛ وقد جاء في المادة 27 حول وظائف العضو: السعي نحو تربیة النفس و تزکیتها والإلتزام بالعبادات و الخلق الحسنة؛ العمل علی فهم الإسلام الصحیح و دعوة الآخرین إلیه؛ الالتزام بحقوق الأخوة الإیمانیة و واجباتها؛ وقد سعت أن تبني علاقاتها مع مخاطبیها وفقا للحفاظ علی الهویة الإیرانیة وفي إطار دستور البلاد والحقوق المنصوص عليها في الدستور فیما یتعلق بالأنشطة الثقافیة والدینیة والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر مع الإصرار علی الاستقلالية التنظيمية.

- هل یصح تقسیم العالم إلی الدول الإسلامية وغیر الإسلامیة؟ برأیکم هل یؤدي هذا التقسیم العقلي إلی صراع وحرب؟

الحقیقة أن هناک عدد من الدول المسلمة وغیر المسلمة؛ منطقيا هذا التقسيم لا يمكن أن تكون مشكلة؛ الحدیث عن قطبي الإسلامي وغیر الإسلامي امر وصفي ولیس صحیحا أن نسأل عن صحته أو خطئه. یبدو أن هذا السؤال یرجع إلی سابقة تأریخیة في تقسیم الأرض إلی دار الإسلام ودار الحرب وهذا إنما بني علی مرجوح فقهي ویقول أتباعها إن علاقة المسلمین مع غیر المسلمین أسست علی الحرب.

الکفر لیس دلیلا کافیا لدخول الحرب مع الآخرین والیوم یری بعض المفکرین أن نجتنب هذه التقسیمات نظرا لهذه السابقة التأریخیة. أعتقد أن هذا لیس ضروریا لإن الإسلام أو عدمه هو أحد أهم أجزاء هوية الأفراد والبلدان وبدلا منه یجب أن نناقش هل الاعتراف بهذه الفوارق الهویة یؤدي إلی الحرب والصراع أم لا؟ لأننا نعلم أن الهویات المختلفة بإمکانها أن تعیش جنبا إلی جنب من المنظر العقلي والتاریخي. إن الإسلام جعل البر والقسط أساسا لتفاعل المسلمین مع غیرهم وأن لدیه القدرات اللازمة لصناعة الحضارة وفعلیا أسس حضارة عظمیة فلا ینبغي أن یجعل أساس علاقاته مع الآخرین علی الحرب. وفي التجربة التأریخیة نحن المسلمین قد أثبنا أننا نعیش مع غیر المسلمین الذین لا یحاربوننا تعایشا سلمیا.

- نظرا إلی أنکم من خریجي الحوزوة والجامعة كيف تقيمون الوضع الحالي في العالم الإسلامي؟

يمكن تحليل الوضع الحالي في العالم الإسلامي بنظرة متشائمة جدا ویمکن أن ینظر إلیه بنظرة متفائلة؛ الحروب الأهلیة والاقتتال والخلافات السیاسیة بین زعماء الدول الإسلامیة والجهل والأمية والشذوذ الاجتماعية والسیاسیة یمکن أن تخیب الآمال في تحسین الوضع ومن جانب آخر یمکن أن تکون متفائلا؛ ومن المتفاءل توسیع رقعة الصحوة الإسلامیة وإقبال الشباب علی الدین ومعرفة الناس علی حقوقهم والانتفاضات الشعبية أمام الحکومات المتغرطسة في أنحاء العالم الإسلامي.

الجبهة المتغرطسة والإمبریالیة التي سیطرت علی السلطة والثروة حتی الیوم قد اضطرت أن تکشف عن وجهها الحقیقیة أمام موجة الصحوة الإسلامیة. بالطبع يجب أن لا نتجاهل أياد خفية للأعداء الأجانب علی الأمة الإسلامیة تحت شعار نظریة المؤامرة ولا ینبغي أن نعزو جمیع أوجه القصور والمشاکل إلی الأسباب الخارجیة. التمتع بالحریة والمجتمع الراقي یتطلب عزائم الأمور؛ الجبهات الإقلیمیة والحروب المدمرة والمحاولات الجادة لتمریر صفقة القرن وانحیاز بعض الدول في المنطقة إلی هذا المشروع والتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة وتهديداتها والمشاکل الاجتماعیة والثقافیة ألقی ظلا ثقیلا علی المنطقة. نظرا لهذه المشاکل أن الأمة الإسلامیة بأشد الحاجة إلی الاتساق والتعاطف وعلی التیارات المؤثرة أن تعزز غایاتها وسیاساتها علی مستوی التهدیدات والمشاکل.

- لماذا لا یتم الاعتراف بوجود "الناقد" في کثیر من الدول الشرق الأوسطیة ولا يوجد حق في حرية التعبير؟

في الشرق الأوسط لم توفر بعدُ فرصة لممارسة الديمقراطية وهذه المنطقة جربت کثیرا من الحروب المدمرة والخلافات القومیة والوطنیة والثورات والقمع والاضطهاد؛ الموقف الاستراتيجي والموارد النفطية الضخمة وفرت مجالا لتواجد القوى العظمى فيها وأن الأنظمة الشمولية والأنظمة السياسية ذات الحزب الواحد قد عرقلت النمو السياسي الشعبي وحالت دون قيام الديمقراطية في الشرق الأوسط. الحکومات غلبت علی الشعوب وأنفقت أجزاء واسعة من ثروات البلاد للتعويض عن شرعیتهم وهذا الوضع لا یمکن أن یستمر بطبیعة الحال وفي هذه المرحلة سعی الإصلاحییون والتیارات المؤثرة لتعريف الناس بحقوقهم ولکن الأنظمة الاستبدادية وقفت ضد الإصلاحيين الاجتماعيين والحركات التحررية لحماية سلطتها ومصالحها.

- الدول الإسلامية ليس لديها موقف إيجابي من حيث التسامح وأن احترام الاختلافات الثقافية والتسامح بين أتباع الديانات ضعيف جدا ما هو المخرج عن التعصب الدیني والأنحیاز الطائفي؟

الغرطسة وشهوة السلطة والثروة والجهل بالحقیقة والمقاصد الدینية وعدم ممارسة العمل الجماعي وسیادة ثقافة الاختلاف من أسباب التعصب والانحیاز الطائفي والدیني وأن سبیل الخروج منها الإصلاحات الشاملة مع التركيز على الإصلاح الثقافي وتغيير المعتقدات التي تأصلت عبر التأریخ وأدت إلی سلوكيات أنانية وتعسفیة. الانفتاح السياسي والسلوك الديمقراطي وتوفیر أرضیة للحوار هي جزء من الحل؛ الاهتمام بالتعلیم واستخدام تجربة العالم الجديد في المناهج التعلیمیة یساعد المجتمع في تحدید أولویاته. جماعة الدعوة والإصلاح تؤکد علی التسامح وقبول الآخر أکثر من عقد واختارتها کمبدإ استراتیجي لها؛ نحن نعتقد أن هذه السیاسة یمکن أن تکون مفیدة للحکومات والأحزاب والأدیان ویوفر المجال للأمن والسلام.

- إهانة مداح شیعي لمقدسات أهل السنة في وسائل الإعلام الوطني تبعتها رود أفعال کثیرة ما هو تعلیقکم عن هذه القضیة؟

هذا الحدث کان حادثا مأساویا جدا لأنه یعارض مع مکانة هؤلاء الأشخاص في القرآن الکریم ومن ناحیة أخری کان عملا مثیرا للأنقسام وخلافا صریحا للفتوی الذي أصدر المرشد الأعلی في هذا الصدد. إن هذا الحادث تبعته ردود أفعال کثیرة وأن الجماعة أصدرت بیانا من أجل شرح وجهات نظرها. ومن منظر آخر أن ردود أفعال المسؤولین والکتلة البرلمانیة لنواب أهل السنة ورئیس البرلمان ومسؤولي الإذاعة والإعلام کانت رائعة ومناسبة ویمکن أن نعتبر هذه المواقف خطوة إیجابیة في عملية الإصلاح وتحسین المشکلة التأریخية.