د. صلاح الدین خدیو تحدي الرقص والضحك للأطباء والممرضین الذین هم في طليعة المعركة ضد فيروس کورونا اللعين بدأ في الصین لأول مرة حین لم ترد أنباء عن تفشي المرض في إيران. ولکن في الأیام الأخیرة بدأ ینتشر مزيد من مقاطع الفيديو عن الحركات الراقصة الإيقاعية للممرضات والطواقم الطبية للمستشفیات الإیرانیة وملأت العالم الافتراضي. الفارق بین إیران والصین هو أن هذه المقاطع تحظر رسمیا في إیران وتعارض الأعراف الثقافية السائدة والمواقف الرسمية؛ مع ذلک یبدو أن المشارکین في هذه الحفلات یستخدمون التدابیر الصحیة المضادة ضد فیروس مثل الأقنعة والقبعات والنظارات لیبقوا مجهولین وآمنین من العواقب المحتملة ولکن لا یمکن تجاهل نوع من التسامح والتساهل العام والمؤقت في هذا الوقت بالذات.

موقف مماثل لبداية الحرب حیث أن جمیع الاتجاهات کانت موجودة في المشهد أو في نهایة الحرب مع کسر الخطوط الأمامیة علی الجبهات حیث بدأ الإعلام ببث نشید "یا إیران" بعد سنوات من محاولة تهمیش التيارات القومية تحاول الآن تحفيزهم وإحضارهم إلى المشهد. ولکن ما حدث في الواقع أبعد وأعمق من عدد من المسرحیات الظاهریة؛ فیروس کورونا وبتعبیر أدق الخوف من کورونا أزال الستار من ذعر أكبر؛ في إيران ما بعد الحرب ، وقعت ثورة في الوعي وفجوة معرفية كبيرة.

حین قام الشاعر الماركسي خسرو کلسرخي باقتباس قول منسوب إلی الإمام حسین بحماس وإثارة في محکمة شاه ، في الحقیقة عرض دخول إيران في حقبة معرفية جديدة وائتلاف القوى الاجتماعية اليسارية والدينية تحت نموذجها: "إن الحیاة عقیدةٌ وجهادٌ" يجب أن يكون للإنسان عقیدة ويقاتل من أجلها. رغم أن آیة الله مطهري قام بالتشکیک فيها من موقف الیمین الدیني والفحص المدرسي (السید حسن مدرس) ولکن تم قبولها عملیا حیث أصبحت دليل عمل لجميع المجموعات السياسية تقريبًا ، سواء في الحكومة أو في المعارضة. أولوية العقیدة علی الحیاة وضرورة التضحیة من أجل المنهج والعقیدة برزت من بین معظم الشباب الذين ولدوا في الثلاثينيات والأربعينيات.

ومن السبعینات فصاعدا دخلت الأنماط الفلسفية الجديدة في الفضاء الفكري والثقافي للبلاد مع التفسيرات اللغوية لقد تجاوزت العقلانية الكلاسيكية وصلت من الإنسان المفکر إلی الإنسان الکائن الحي. ولکن في الساحات الأخری قد بدأ سباق الحیاة في شکل أکثر هوبسیا لم يكن هناك أنباء عن العقيدة والجهاد فحسب ، بل کان یغطيه غشاء رقیق من الخداع والسرية والأكاذيب التعاقدية. قام فيروس كورونا بإسقاط هذه القشرة وأظهرت مدى خطورة السرية حيث يجب أن تكون الحياة في الأولوية. قال کورونا للجمیع: کونوا حذرین من حیاتکم حمایة لحیاة الآخرین؛ إنه ليس من الضروري لأي شخص أن یلقي نفسه إلی التهلکة لإنقاذ الآخرین.

في هذا الصراع لیس الموت مقدسا فحسب بل یعتبر رمزا للشر والقذارة؛ الموت القذر بالطبع له رفيق وتوأم آخر وهو الکذب؛ في هذا الصراع الشاق الکذب یصبح أخا للموت ونقیضا للحیاة بأي مبرر وعذر وأن الشفافية والصدق هي ماء الحياة. کما قلنا ، إنه قد انقلبت معادلة أولوية العقیده علی الحياة رأسا علی العقب لما يقرب من ثلاثة عقود ولكن لم یجرأ أحد أن يقولها بصوت عال.

في هذه الأیام التي خضنا معرکة مع فیروس کورونا یسمع هذا الهتاف من کل حي وزاویة؛ أولویة النفس علی العقیدة وأولویة الدیموقراطیة علی الفقه وأولویة المصالح الوطنیة علی الإیدئولوجیا ترتیبات تحتاجها إیران بعد کورونا. إن هؤلاء أبطالنا الذين يتواجدون في المشهد في هذه الأيام الصعبة ، وأن مؤيدیهم بلا شك تلک الثلاثية المذکورة.