تأملات حول "حل أو استمرار جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا"
الکاتب: عبد الباسط دانش آموز 

بطرح تساؤلات حول "حل أو استمرار جماعة الإخوان المسلمين" في مصر وسوريا، يؤكد هذا المقال علی أن جماعة الإخوان ليست مجرد حزب سياسي، بل هي مدرسة حضارية ونهضوية في تاريخ الإسلام المعاصر. ويخلص الكاتب إلى أن القضاء على جماعة الإخوان أو فرض التغيير عليها أمرٌ ضار، وأن الطريق الصحيح يكمن في تحديث فكرها، وحماية أصولها الثقافية، واحترام استقلالية فروعها. 

الكاتب: عبد الباسط، دانش آموز

قرأتُ وتأملتُ مؤخرًا مقالًا كتبه قيادي سابق بارز في الاتحاد الإسلامي العراقي، ثم مقالًا آخر لمسؤول في الهيئة الحاكمة السورية الجديدة، يدّعي أنه عضو سابق ومؤقت في جماعة الإخوان المسلمين في ذلك البلد، ويتناولان ضرورة حل هذه الجماعة المتجذرة، أو حلّها ذاتيًا، بشكل حاسم وفوري، لإزالة العقبات أمام تحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في سوريا (وإن صحّ ذلك، فرض وجود دولة وحكومة قوية وفعّالة تحت هذا العنوان، في ظروف ما بعد الحرب الأهلية الطويلة، على حافة التفكك، وبتدخل من النظام الصهيوني).

من واقع تجربتي ومعرفتي، أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين ليست حزبًا سياسيًا ولا منظمة مدنية؛ بل هي في الواقع مدرسة أعادت بناء التاريخ الحديث للأمة الإسلامية، بتأسيسها حركة الصحوة، وإحياء كرامة المسلمين المهشمة، واستعادة ثقتهم الجماعية بأنفسهم منذ مطلع الربع الثاني من القرن العشرين، على الأقل كرمز وأسطورة. وقد لجأت شعوب عديدة، تفتقر إلى خلفية تاريخية زاخرة وتاريخ عريق، إلى تزوير التاريخ ونسج الأساطير في الفكر والفن الحديثين، سعيًا منها إلى إرساء ضمانات نفسية ومراجع وجدانية لشعوبها وللشعوب الأخرى. لقد صقل آخرون خلفيتهم الفكرية والسلوكية الغامضة بل المظلمة والمخزية من خلال لغة الفن والإعلام وغذّوها لخلفائهم الحضاريين وغيرهم في إطار النظام التعليمي وفي إطار ثقافة متطورة، بدعم من سلطتهم السياسية القائمة وبنوا متاحف لتراثهم التاريخي بترتيباتهم المتحيزة، ليستخدموها لضمان بقائهم وإثبات أصالة حضارتهم. والآن، تُطرح بعض الأسئلة الأساسية حول حل جماعة الإخوان المسلمين أو استمرارها وترويجها المتجدد:

١- في جميع فروع جماعة الإخوان المسلمين تقريبًا في البلدان، طرأ تغيير على اسمها، وأحيانًا تعديل هيكلي. أرجو أن تخبروني ما هي التغييرات الاجتماعية والثقافية الإيجابية، والمساهمة الاقتصادية التحويلية والتنموية، وما هو مستوى السلطة السياسية الملموسة والمستقرة التي حققتها؟

٢- إذا استمر فرعا مصر وسوريا فقط بالعمل تحت اسم الإخوان المسلمين، فما هي العواقب والتعقيدات التي ستلحق بهما أكثر مما حدث لهما حتى الآن؟ وإذا افترضنا حدوث تغيير في الاسم والهيكل في هذين الفرعين أيضًا، فما الضمان لتحقيق إنجازات وهمية وعظيمة؟

٣- تُظهر دراسة تاريخ وخلفية الأحزاب والمنظمات غير الحكومية الشهيرة اليوم في أوروبا وأمريكا ومناطق أخرى من العالم أن عمرها لا يقل عن قرن من الزمان، وأحيانًا يصل إلى مائتي عام أو نحو ذلك. السؤال هو: هل الحفاظ على اسمها وتاريخها وهويتها، مع تحديث نفسها، يُعدّ مصداقية لها، أم أنه يكشف عن نوع من التقادم والتخلف والتخلف؟ على سبيل المثال، الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، أو حزب العمال وحزب المحافظين في المملكة المتحدة.

أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين وبدائليها يمكن أن تلعب دورًا فعّالًا للغاية في بيئة سلمية تمامًا، كما أثبتوا حتى الآن، كنقاد ومستشارين للسلطة في المجتمع المدني وفي عملية دمقرطة المجتمعات الإسلامية. (وبالطبع، تُشكّل هذه الوظيفة التقدمية تهديدًا خطيرًا وقاتلًا للحكام وداعميهم في الخارج).

٤- برأيكم، هل من الأجدى للقادة والمديرين والأعضاء تحديث أفكارهم وقراراتهم بما يتناسب مع كل وضع اجتماعي وسياسي ونشاط ديناميكي في عالمنا المتغير بسرعة، وصياغة اجتهادات تعالج القضايا الحديثة والمعاصرة في كل نقطة وزمان ومكان تنشط فيه جماعة الإخوان، دون تغيير اسمها، أو تغيير اسمها وأحيانًا هيكلها دون تطبيق هذه المتغيرات الحيوية؟ (كما هو واضح للأسف في معظم الحالات وخلال الربيع العربي و...).

٥- «قولوا الحق ولو على أنفسكم». عند تحليل ومناقشة أسباب تخلف الدول ذات التركيبة السكانية المسلمة في الغالب، هل يقع اللوم الأكبر على تأخر جماعة الإخوان المسلمين وتقصيرها، وحماها الله، وخيانتها، أم أن أطرافًا أخرى، بما في ذلك الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية والحكومات العميلة، بالإضافة إلى عوامل خارجية كالصهيونية الدولية والليبرالية الجديدة الغربية والعالم الماركسي القديم والجديد، تقع على عاتقها مسؤولية أكبر؟ (ما هي العوامل الرئيسية التي يشير إليها مرض التخلف؟)

برأي الكاتب، يُمكن لمراجعة منصفة ومدروسة، بتحليل شامل وواقعي واستشرافي للوضع العالمي الراهن ومتغيراته الفاعلة في العالم الإسلامي، أن تُقدّم، للإجابة على الأسئلة السابقة، اقتراحات عامة تُشبه العناوين التالية:

أ- تجنّب التهكم والتدمير الذاتي: لا أُحبّذ التدمير الذاتي الثقافي والنفسي والهزيمة الذاتية إطلاقًا. وفي الوقت نفسه، لا أؤمن بالدهشة التاريخية والنرجسية الجماعية. مع ذلك، أُوصي بالحفاظ على التوازن بين النقد والنصيحة المُوجّهة، وبين الفخر والثقة الجماعية بالنفس، بما يُفضي إلى مشروع تنمية وازدهار محليين في بيئات جغرافية محدودة، وفي نهاية المطاف على مستوى عابر للحدود الوطنية ومترابط، مثل اتحاد الدول الإسلامية.

أ- تجنّب التهكم والتدمير الذاتي: لا أُحبّذ التهكم والتدمير الذاتي الثقافي والنفسي إطلاقًا. في الوقت نفسه، لا أؤمن بالدهشة التاريخية والنرجسية الجماعية. مع ذلك، أُوصي بالحفاظ على التوازن بين النقد والنصيحة المُوجّهة، وبين الفخر والثقة الجماعية بالنفس، بما يُفضي إلى مشروع تنمية وازدهار محليين في بيئات جغرافية محدودة، وفي نهاية المطاف على مستوى عابر للحدود الوطنية ومترابط، مثل اتحاد الدول الإسلامية. ب- جهود دعم شاملة: يتوجب علينا بعقولنا وأقلامنا وأيدينا وجيوبنا أن نعمل بجد لحماية الكنوز الثقافية والمخزون الحضاري للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى النقد والمشورة المبنية على معطيات واقعية، ومشاريع متعددة لصياغة الفرضيات ثم تطوير النظريات الرائدة اجتماعياً وسياسياً، وتأليف كتب عالية الجودة وواسعة النطاق ومدروسة، وإنشاء محتوى تعليمي افتراضي وأفلام ومسلسلات بجودة ممتازة وجاذبية للجمهور وتأثير عميق، وتأليف وتقديم أعمال فنية وأدبية وموسيقية نبيلة وجديرة بالثناء وعاطفية ودائمة، بالإضافة إلى الإعلام والتفاعل والمظاهر ذات التردد العالمي، وبذل كل ما في وسعنا للإضافة كماً ونوعاً إلى هذه الملكية الإلهية وثروتنا التاريخية والثقافية المكتسبة.

ج- المحاسبة وجرد الأصول: في ظل اقتصاد وثقافة متطورة اليوم، بالإضافة إلى الاحتياطيات القيّمة والمناجم الثمينة كالذهب والمعادن النفيسة، التي يُعدّ استكشافها واستخراجها واستخدامها أمرًا بالغ الأهمية، یتم إعادة تدویر حتى النفايات التي تبدو غير مستخدمة واستخراجها بإدارة علمية وتقنيات فعّالة، ويُطلق عليها وصف "الذهب القذر" كاسم لمنتج مُصنّع ذي عائد اقتصادي وقيمة مضافة عالية. ناهيك عن الموارد البشرية والثقافية ورأس المال القديم والجديد. معاذ الله أن أُطلق على أثمن الشخصيات وأروع الأنشطة وأروع التوجهات لخدمة المجتمع والتاريخ المعاصر للأمة الإسلامية اسم الهدر. حقًا، هؤلاء ذهبٌ وجواهر لامعة، ونماذج للجهد والتضحية. لكن يا أخي العزيز، اعلم أنه حتى لو لم تُصنّف هذه الفروع المباركة والرائدة ضمن هذا الطيف الأقصى من الروعة التاريخية والعظمة الحضارية والإنجازات الإسلامية الحديثة، فإنها على الأقل تُعدّ رصيدًا في ظل هذا الفقر المدقع وقلة رأس المال الذي تعاني منه الأمة الإسلامية. لذا، فلنحذر من إهدارها وتبدیدها ولا نفكر في أنفسنا بأننا عظماء ولا نتباهي ونجتنب الاستغناء عن الآخرین. 

د- تنبيهٌ جوهري: لا أريد للقارئ الكريم أن يستنتج من مضمون كلامي الوثنیة والتقدیس والإفراطَ في المديح، وعبادةَ الماضي؛ حاشا لي أن أُقرأَ هکذا التياراتِ الإسلاميةَ والاجتماعيةَ المعاصرةَ وشخصياتِها التاريخيةَ المؤثرة. لا نعتبرُ أحدًا معصومًا عن الخطأ، مُستقيمًا، باقيًا دون اللهِ تعالی وسنةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم وإن جماعةُ الإخوانِ المسلمينَ ليستْ من هاتينِ، لا فردیاً ولا جماعیاً فهي ليست معصومةً عن الخطأِ والزلل، ولیست بعيدةً عن الانقراض.

هـ- مراعاة الاختلافات واحترام استقلالية التصويت: يرى المؤلف أنه كما أن أخونجة جميع الحركات والحركات الإسلامية كانت منذ زمن طويل غير مرغوب فيها وغير مفيدة، بل إنها عمليًا تتجاهل الاختلافات القائمة وتنتهك حرمة استقلالية أصوات الأحزاب والجماعات الإسلامية في كل منطقة وموطن، بنفس النسبة وبنفس المبرر، فإن إقصاء الإخوان عن المشهد وفرضیة العدول عن الجماعات الإخوانية في كل أرض سيكون أكثر اعتراضًا وضررًا. هذا نوع من التدخل دون فهم للظروف ويستند إلى معطيات غير صحيحة من جهة، واستهزاء بعقلانية أصحاب تلك الجماعات في اتخاذ القرارات المناسبة من جهة أخرى، وسيكون بطريقة ما منظورًا استبداديًا ومهيمنًا للآخرين الذين لديهم فرصهم وتهديداتهم ومشاكلهم ومواقفهم الخاصة. أعتقد أنه ينبغي لنا أن نسمح لمن عانوا أشدّ الأذى والمصاعب في سوريا، وقبلها في مصر، وخرجوا من هذه المحنة والكارثة بفخر، وهم بطبيعتهم أكثر مسؤولية ووعيًا بأنفسهم منا، أن يتّحدوا ويتخذوا قراراتهم بأنفسهم، بمعلومات مباشرة وإرادة حرة، لحل أوضاعهم الصعبة والتعامل معها وعلينا أيضًا أن نكون لهم إن أمكن صديقًا مخلصًا ورحيمًا.

و- كلمة أخيرة: ليس كلامًا مثاليًا وملحميًا ومحفزًا، بل وصفًا للوضع الراهن، لتتأكدوا أن مشروع إسكات هذا الاسم المهيب، وهذا الذخر والرأسمال الکبیر، وطمسه تمامًا في تاريخ الأمة الإسلامية، ليس نتاج أبحاث خبراء في مجال التنمية السياسية والاقتصادية، بل هو نتاج دراسات استراتيجية للمستشرقين المتعصبين، والمفكرين المنتقمين، والكهنة الطامحين إلى الهيمنة على الصهيونية والصليبية (أيديولوجيا الحروب الصليبية)، التي تغلبت علينا جماعيًا في صورة الرأسمالية والليبرالية الجديدة.

ومع الأسف، في العلاقات الدولية والسياسة العالمية، فإن أساس التفاعل والتجارة العابرة للحدود هو اكتساب الربح والمصلحة والسلطة، وخاصةً الاقتصادية والنقدية. بالطبع، تستغل الحكومات تفسير المصالح الوطنية لأغراضها الداخلية ولخداع جمهور واسع، وتدور مفاهيم السلام والحرب، والقرابة والمودة والمعاهدات والمساعدة والمؤسسات والقانون الدولي جميعها حول هذا المعيار وهذا المحور. وللأسف، فإن شريحة كبيرة من الفلاسفة والمفكرين والصحفيين والمحللين والفنانين والمنظرين والباحثين (ولكن ليس جميعهم) بمساعدة الإمبراطورية الإعلامية، يشوهون الحقائق ويعطونها معنى وأجنحة وأهمية منطقية وحتى أخلاقية وفقًا لإرادة القوة السياسية والاقتصادية. وافتراضِي هو أنه لو كان أحد الأقطاب السياسية والاقتصادية والعسكرية المهمة والفعلية في العالم الآن دولًا إسلامية، لفقدت العديد من التحليلات القائمة بريقها وتكيف وجودها وشرعيتها مع الظروف الجديدة.

ولنقرأ قوله تبارك وتعالى حين یقول:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿۱﴾
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿۲﴾
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿۳﴾

صدق الله العظیم