الأمين العام للجماعة: المتوقع من الأعضاء تنظيم أنشطتهم في إطار أهداف الجماعة واستراتيجياتها، وبشكل جماعي ومؤسسي ومنهجي
في اجتماع افتراضي لقسم المرأة في جماعة الدعوة والإصلاح، دعا الأمين العام للجماعة، الأعضاء إلى إدراك الهدف والالتزام بالعمل والتحرك جماعيًا في إطار استراتيجيات منظماتهم المدنية مستشهدًا بآيات قرآنية.
وفيما يلي نص كلمة الأستاذ عبد الرحمن بيراني، الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح:
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمده سبحانه وتعالی وأتقدم إليكم بأحرّ التحيات، ويسعدني جدًا أن نجتمع - ولو افتراضیاً - في لقاء إيماني وروحي مع أبناء الجماعة وأتباعها في قسم المرأة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله تعالی أن يبارك في هذا اللقاء الإيماني والروحي بحضور الملائكة ونزول النور والرحمة، وأن يوفقنا وأیاکم في أداء هذه المسؤولية والرسالة المهمة والأساسية والمحورية التي تحملتموها، إن شاء الله وأن يُكتب جهودكم في صحیفتکم وأن يكون مصدر فخر واعتزاز لكم يوم القيامة.
أبدأ کلمتي بالآية ١٠٥ من سورة التوبة المباركة حیث یقول تبارک وتعالی:
«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» ﴿التوبة: ١٠٥﴾؛
وبناءً على ذلك، فإننا نحن المسلمین والحركات والتیارات المذكورة آنفًا، نعتبر أنفسنا ملتزمين بدعوة الآخرين إلى الإيمان والقيم الإسلامية الرفيعة وخدمة إخواننا البشر وعلينا أن نصلح عقائدنا وسلوكنا وتصرفاتنا بجدية قبل دعوة الآخرين، وأن نعيد تنظيم حركة الحياة في ضوء الهداية الإلهية والنصيحة الربانیة وعلى أساس معايير العدل الإلهي.
علينا أن ندرك مرة أخرى هدفنا المركزي حتى نكون جديرين لمکانة المحسنين لإخواننا البشر، ويكون سلوكنا في صمت وهدوء بمثابة مثال وقدوة للآخرين. فهناك فرق بين القول والفعل، وبين طبيعة الإنسان وحقيقته وسلوكه وأفعاله؛ فینبغي للدعاة إلی الله أن يكونوا متميزين في مجال العمل وأن يتمتعوا بالتفوق الروحي.
في هذا السياق، يكون البشر إما "تابعاً" أو "متبوعاً" وهذا ينطبق على جميع المجالات الصناعية والتجارية والسياسية والتقنية والعلمية. وأما أصحاب الفضل هم المتبوعون والقادرون الذين ذكرهم الله تعالی في قوله:
«الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ» ﴿الحج: ٤١﴾
فمن أنعم الله عليه ومكّنه من التفوق والتميز في مجال أو ميدان، وجب عليه أن ينتهز هذه الفرصة والقدرة لخدمة إخوانه وأبناء وطنه، وأن يشكر الله على هذه النعمة. وهذا يُعدّ جهادًا لأن الجهاد أنواع: جهاد بالنفس، وجهاد ببذل الوقت والمال، وجهاد ببذل القوة والخبرة في خدمة الآخرين.
قال بعض العلماء: إن إتقان العمل هو الجهاد سواء في شؤون الأسرة وتربية الأبناء وأهل البيت، أو في خدمة المجتمع والناس.
وتعلمون جيدًا أن من ينجح في عمل ممیز فهو في الحقيقة دعوة إلى الفضيلة، وهذا في حد ذاته من علامات الفضيلة.
وقد جاء في المثل: "النَّصرُ لا یَأتی لِأُمَّهٍ لا تَستَحِقُّهُ".
وقيل أيضًا: "النصر لا يأتي لقوم لا يستحقونه"، أو قيل: "تصحیحُ أَحوالِ الأُمَّهِ یَنطَلِقُ مِن تَصحیحِ حالِ الشَّخص" إن تحسين حال المجتمع يبدأ بتحسين حال الأفراد.
عندما تهتم بصحة روحك وعقلك، فأنت في الواقع مجاهد.
عندما تهتم بصحة أفكار وسلوك عائلتك، فهذا يعني أنك شخص مميز.
عندما تفكر في صحة فئتك المستهدفة ومجتمعك، فهذا يعني أنك مجاهد صبور في سبيل ربك.
وكما بشر الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (سورة الزمر: ١٠)، فيمكن القول إن العمل الصالح شرط لتحقيق الإيمان والحصول على حياة طيبة في الدنيا والآخرة.
والثواب والعقاب الإلهي متعلقان بالأعمال أيضاً، ومقياس تفاضل مراتب المؤمنين ومنازلهم عند ربهم هو العلم والمعرفة والإخلاص والعمل الصالح.
ومن البديهي أن كمال العمل وتميزه لا يتحقق إلا في ضوء الفهم الصحيح والمعرفة الكافية.
وفي هذا السياق، تأتي الرسالة الإلهية: "وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيز" ﴿فاطر: ١٤﴾.
هذا التأكيد الإلهي یعني أن التخصص والخبرة يُعززان القدرة على التنفيذ، ويُسهِّلان قوة الابتكار وفتح آفاق جديدة لحل المشاكل، ويُمهدان الطريق لفهم دقيق للقضايا الاجتماعية، والفهم الجماعي، وأداء الدور الفعال من قِبل الأفراد والجماعات في مجال العمل.
وكما ذُكر سابقًا، فإن عواقب نقص المعرفة والخبرة والتفوق، وكذلك الحركة الفردية، غالبًا ما تُوفر أساسًا للتبعية السلبية والتأثر بالآخرين. لذلک ينبغي على جماعة الدعوة والإصلاح، التي حددت رسالتها بتقديم الخدمات الثقافية والاجتماعية، أن تسعى جاهدةً لتحقيق أهدافها بفهم صحيح لرسالتها ومهمتها، ومعرفة دقيقة بظروف المجتمع المستهدف ومتطلبات الزمان والمكان.
وفي الختام، أودّ أذکرکم بأن المنظمات والمؤسسات الشعبية قد انتقلت إلى مرحلة جديدة من واجباتها في العصر الحالي؛ فمن جهة، عليها أن تؤدي واجباتها التنظيمية بالاهتمام اللازم بالقضايا الداخلية، وتدريب كوادرها، وتعميق فهمها وثقافتها للعمل الجماعي والهادف ومن جهة أخرى، عليها أن تحافظ على التواصل الفعال مع سائر المواطنين وأن تقدم الخدمات، وأن تسعى جاهدةً لتحقيق المزيد من التميز في المجالات الفكرية والثقافية، وأن تحترم حقوق الآخرين وحرياتهم، وأن تنشر ثقافة الإحسان في المجتمع.
الظروف الجديدة والمعقدة في العصر الحالي تتطلب مهامًا جديدة وبرامج مناسبة، ومن الضروري تجنب التبسيط واستخدام الطرق التقليدية لحل مشاکل العصر المعقدة.
ومن الجدير بالذكر أن الجماعة، ولله الحمد، لديها الآن أهداف واستراتيجيات على المستويات المركزية والإقليمية تتناسب مع الظروف والقدرات والقيود؛ لذا يُتوقع من الأعضاء تنظيم أنشطتهم في إطار أهداف الجماعة واستراتيجياتها، وبطريقة جماعية ومؤسسية ومنهجية.
ووفقًا لتعاليم الدين الإسلامي فإن الآراء والاجتهادات الفردية ليست حجة على الآخرين؛ ولكن ثمرة الحكمة الجماعية حجة على أفراد الجماعة المعنية، واتباعها يُحقق مسؤولية التضامن ويجلب الثواب والعقاب.

الآراء